recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

نقل السفارة الأمريكية للقدس وفق مقتضيات القانون الدولي



قرار ترامب حول نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس

 بين الواقع والقانون الدولي


  

الوضع القانوني للقدس في مسار الصراع العربي-الإسرائيلي


     إن الحديث عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هو حديث عن مسار طويل من المواجهات والاشتباكات بين صاحب حق مسلوب ومغتصب لأرض غير مسؤول، وتستأثر قضية المدينة المقدسة بقسم كبير من الاهتمام بهذا الصراع، وذلك بالنظر لقيمتها الدينية والتاريخية والحضارية بالنسبة لأتباع مختلف الديانات السماوية الإسلامية والمسيحية واليهودية، وكذا معظم الدول والحكومات، وقد برزت هذه الأهمية مع صدور قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بخصوص نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث جاء هذا القرار في ظروف دولية خاصة، وسلط الضوء من جديد على قضية القدس التي طويت في صفحات الإهمال، وإن شكل هذا الاعتراف صدمة بالنسبة للعديد من الأشخاص؛ فقد اعتبره البعض الأخر قرارا منتظرا بالاعتماد على عوامل تاريخية وظرفية أنية مرتبطة بطبيعة الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب".     

     ولعل من النقط الأساسية في هذا الإطار، تحديد الوضع القانوني للقدس حسب القانون الدولي، وهنا يرتكز الحديث أساسا على قرارات الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن والجمعية العامة، باعتبارها المنظمة التي تختص بالنظر في كل التطورات التي تعرفها قضية القدس، وبالرجوع لمختلف هذه القرارات، فهي تتعامل مع القدس من خلال تجزيئها لقسمين، الأول هو القسم الغربي الذي يخضع للسيادة الإسرائيلية منذ سنة 1948، والثاني هو القسم الشرقي الذي يتضمن الأماكن المقدسة ويخضع للإدارة الأردنية، وبالتالي فأغلب القرارات الأممية تعتبر القدس الشرقية مدينة محتلة من طرف إسرائيل بعد حرب 1967، في حين لا تتم الإشارة للقدس الغربية باعتبارها هي الأخرى خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، ولعل من أبرز هذه القرارات يمكن الاستئناس بقرارات مجلس الأمن التالية: 252/1968، 267/1969، 271/1969، 298/1971، 446/1979، 2334/2016، وأيضا يمكن الرجوع لقرارات وتوصيات الجمعية العامة التالية: 2253/1967، 2254/1967، 207-35/1980.

     وبالرجوع لقرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حول نقل السفارة الأمريكية للقدس، فهو ليس وليد لحظة معينة، بل سبق أن أعلن زعيم الحزب الجمهوري "روبرت دول" في خطابه خلال اجتماع لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية بتاريخ 8 ماي 1995 عن تقديم مشروع قانون أمام مجلس الشيوخ يقضي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو الذي تحول في عهد الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" إلى القانون رقم 1322، وذلك بعد مصادقة الكونغرس الأمريكي عليه في دورته رقم 106، وينص هذا القانون على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بتاريخ 23 أكتوبر 1995، وذلك في موعد لا يتجاوز ماي 1999 أو في أي وقت أخر مناسب.

     وقد تضمن هذا القانون مجموعة من الإشارات لتاريخ القدس، والتي أكدت في مضمونها على أن المدينة المقدسة جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وأن القدس عاصمة موحدة لها ويجب نقل السفارة الأمريكية إليها، غير أن هذا القانون لم يدخل حيز التنفيد، وتم تأجيله عدة مرات، وذلك لكون قانون السفارة الأمريكية بالقدس لسنة 1995 يجيز إمكانية تأجيل العملية لمدة ستة أشهر، بناء على طلب مسبق يتم تقديمه للكونغرس من طرف الرئيس في حالة ما تعلق الأمر بحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي، وقد كان الرؤساء الأمريكيون السابقون مطالبين كل 6 أشهر بتقديم تقرير حول ما إذا كانوا سينقلون سفارة بلادهم إلى القدس، واستمر هذا التأجيل لغاية فوز الجمهوري "دونالد ترامب" بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان من بين أهم ما قام به أن أصدر في 6 دجنبر 2017 أمرا لوزارة الخارجية يقضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقد شكل ذلك قفزة نوعية في قضية الصراع العربي-الإسرائيلي، على اعتبار أن قضية القدس هي قضية المسلمين في كافة أنحاء العالم.

نص المقال كما نشر بجريدة العلم المغربية بتاريخ 17 غشت 2018


أسباب قيام ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس


     لقد اختلفت التأويلات والتحليلات حول الأسباب التي دفعت بالرئيس "دونالد ترامب" إلى إصدار هذا القرار، الذي دائما ما تم تأجيله تجنبا للتداعيات والآثار التي يمكن أن تترتب عن تطبيقه، باعتبار أن موضوع القدس له حساسية تستمد خصوصيتها من مميزاتها التاريخية والدينية والحضارية، ولعل من العوامل المطروحة التي دفعت بترامب إلى إصدار هذا القرار في هذه الظرفية بالذات، الضغط الذي ميز فترة ما بعد الفوز بالانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم توجيه اتهامات لمواطنين وشركات روسية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد ازداد التوثر مع نتائج تحقيقات أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي أكدت حدوث عمليات قرصنة إلكترونية ونشر معلومات وأخبار كاذبة من طرف جهات روسية خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهكذا، فإصدار ترامب لمثل هذا القرار الذي سبق أن وعد بتحقيقه خلال حملته الانتخابية، مكنه من تلقي دعم اللوبي اليهودي بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فقد استغل الفرصة وقام بتفعيل القرار على أرض الواقع في خطوة لطرح قضية بأهمية القدس أمام وسائل الإعلام وغيرها لتقليل الاهتمام بمسألة الاتهامات الموجهة لحملته الإنتخابية.


     ويمكن ربط هذا التأويل بالواقع العربي الذي أصبح يتميز بالضعف والفشل، على اعتبار أن الوضع السياسي بالدول العربية المعنية بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية يتسم بعدم الاستقرار، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تنتشر بها الأزمات والحروب الأهلية والانتفاضات الشعبية ومختلف مظاهر الإرهاب والصراع الديني، وراتباط مصالح بعض هذه الدول بشكل وثيق بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الطرف الإسرائيلي فيما يتعلق بقضية القدس، وهكذا، فقد استغل ترامب عوامل الضعف العربي وعدم القدرة على مواجهة السيطرة الإسرائيلية، و كذا تعامل بعض الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل، في سبيل وضع المنتظم الدولي أمام الأمر الواقع.


التجاوب الدولي مع القرار الأمريكي


     وتجاوبا مع هذا القرار، فقد اجتمع مجلس الأمن في 7 دجنبر 2017 من أجل التصويت على مشروع قرار مصري، يقضي بعدم الاعتراف بأي تغيير في الوضع القانوني للقدس، حيث نال موافقة أربعة عشرة دولة عضوا بمجلس الأمن في مقابل استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للفيتو، ونتيجة لذلك تعذر صدور القرار، وفيما بعد، تقدمت كل من تركيا واليمن بمشروع قرار أمام الجمعية العامة باسم المجموعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي يرفض أي تغيير في الوضع القانوني للقدس، وذلك في إطار رفض نقل السفارة الأمريكية للقدس، وقد تم التصويت على مشروع القرار في 21 دجنبر 2017 في إطار الجلسة الطارئة المنعقدة وفق القرار 377 لسنة 1950، والمعروف بقرار الاتحاد من أجل السلام، وقد اعتمد بتأييد 128 دولة مقابل رفض تسعة دول من بينها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وامتناع 35 دولة عن التصويت.

    لم يبقى القرار الأمريكي حبرا على ورق، بل تم تنفيذه في 14 ماي 2018 بعد تأجيل دام أكثر من إثنين وعشرين سنة، وقد ترتبت عن ذلك العديد من المظاهرات والاحتجاجات والاشتباكات المباشرة بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، واتخذت طرق الاحتجاج أشكالا متنوعة، من قبيل حرق الإطارات ورفع العلم الفلسطيني ومسيرة العودة في الحدود الإسرائيلية مع غزة.

     إن التطورات الأخيرة التي عرفتها القضية الفسلطينية في جزئها الأساسي المتعلق بملف القدس، لم تأتي من فراغ، وإنما هي سياسة مدروسة ومحكومة بمجموعة من الأهداف الإسرائيلية في المنطقة، والمستفيدة من الدعم الأمريكي خاصة بعد رئاسة "دونالد ترامب" المعروف بقراراته الاستثنائية، وبفرض سيادته وسلطته في علاقاته الدولية، وتوجهه الذي يؤسس علاقاته الخارجية على أساس أولوية المصالح الأمريكية.


     ومما لا شك فيه أن سياسة إسرائيل في تهويد القدس وتغيير طابعها الديني والثقافي والحضاري، ستبقى مستمرة حتى مع صدور قرارات الأمم المتحدة ومعارضة أغلب دول العالم لهذه السياسات الإسرائيلية المخالفة للشرعية الدولية، على اعتبار أن هذه القرارات الأممية لا تتجاوز حمولتها القانونية الرفض والشجب دون تضمن وسائل وإجراءات فعلية وعملية على أرض الواقع، وبالتالي فالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يأتي في إطار ملائمة الجانب الدبلوماسي مع حقيقة الواقع، حيث أن مختلف المعاملات السياسية والدبلوماسية مع إسرائيل تحدث في القدس، وذلك أمام عجز الدول العربية والإسلامية وعدم قدرتها على القيام بأي دور مؤثر في تسوية قضية المدينة المقدسة. 

بقلم : محمد البخاري.

عن الكاتب :

Art of words - فن الكلمات

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور، فن الكلمات – Art of words.

جميع الحقوق محفوظة ل

خبر24 - khabar24